الكثير منا لديه صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ولعل الكثيرون يقابلون مشاركات من ذويهم أو أصدقائهم أو معارفهم حول عدم الارتباط، أو الفشل في الارتباط، أو اضطراب العلاقات الزوجية نتيجة عدم التفاهم أو الندية وما على ذلك من مشاركات يكون الكثير منها ساخر المحتوى هادف إلى الضحك، وإنما يحتوي على رسالة جادة، ولا أستثني نفسي من مطالعة تلك المشاركات الساخرة، ولكني أستوقف عندها كثيرا وعند رسالتها الضمنية ودلالتها.
الكثير منا لديه صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ولعل الكثيرون يقابلون مشاركات من ذويهم أو أصدقائهم أو معارفهم حول عدم الارتباط، أو الفشل في الارتباط، أو اضطراب العلاقات الزوجية نتيجة عدم التفاهم أو الندية وما على ذلك من مشاركات يكون الكثير منها ساخر المحتوى هادف إلى الضحك، وإنما يحتوي على رسالة جادة، ولا أستثني نفسي من مطالعة تلك المشاركات الساخرة، ولكني أستوقف عندها كثيرا وعند رسالتها الضمنية ودلالتها.
الحقيقة أنني أجد ذلك المحتوى الساخر ليس إلا تعبيرا عن حالة التخلي التي ترزح على كاهل عالمنا ومجتمعاتنا على اختلاف ثقافاتنا وعرقياتنا. وأنا أقصد بالتخلي ذلك الفعل الإرادي بالعزوف عن الارتباط الجاد؛ فلا رجل يريد أن يتزوج ولا امرأة تريد نفس الشيء، كلاهما يحلم بالارتباط المثالي، ذلك الارتباط الذي ترسخه الصور الإعلامية المختلفة والذي يلقى رواجا على منصات التواصل الاجتماعي الرقمية…القضية ليست جديدة أيها القارئ العزيز، لعلك تذكر التمثيلية الأمريكية “الجريء والجميلة”، نعم منذ ذلك الزمن وهناك التعطش لرومانسية العلاقة بين قطبي الحياة؛ المرأة والرجل.
حديثا، رأيت شغف مواليد النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي بشخصيات درامية مثل ظافر العابدين في مسلسل “عروس بيروت”، وآسر ياسين في أدواره الناعمة الرومانسية، ومن قبلهما كان الثنائي أحمد السقا ومنى زكي في دراما “تيمور وشفيقة”. الأمثلة لا تنتهي وربنا إذا أطلقت العنان لها سأعود بكم إلى عبد الحليم وأفلامه وعذرية العلاقة العاطفية…الخ.
القضية إذا محسومة، الجميع يريد الجانب الأجمل من الارتباط والمحبة المتبادلة والحنان الدافئ والسفر والانطلاق وما إلى ذلك، لكن الواقع أنه إذا أردت العسل فلابد أن تصبر على لدغ النحل؛ أي حتى تحقق ذلك بتعين عليك أن تعمل وتدخر وتكون مسئولا، وعند المسئولية تتبخر الرومانسية، ويتحول الدفء إلى جفاء وبالتالي يتخلى الطرفان عن مسئولية الارتباط والمسئولية اللصيقة بالمحبة، ويفضلان العلاقات السريعة التي تشبه الوجبات السريعة التي تضر أكثر مما تنفع، فربما تشعرك بالشبع المؤقت، لكنك ما تلبث أن تجوع وتبحث عن وجبة أخرى أشهى على أمل أن كون أكثر إشباعا.
إن إصلاح الأمر يحتاج إلى قبول المحبة بشقيها: النعومة والخشونة؛ بمعنى آخر، الحب والمسئولية، فإذا نظرنا إلى بيوتنا التقليدية التي تربينا فيها، نتذكر المشاهد التقليدية والجمل التي تعبر عن الزمن الجميل التي يزخر بها مجتمعنا المصري مثل “تعيش وتجيبلي يا راجلي”، “استنوا لما بابا يصحى عشان ناكل كلنا سوا”، “قومي ساعدي ماما”، “هو في حد بيعمل أكل زي أمك”…الخ. تلك العبارات التي أوشكت على الاندثار من بيوتنا ومفردات حياتنا اليومية ليست إلا كلمات العشق المسئول، ولا أرى أكثر حبا من زوج ينفعل على زوجته وربما يتشاجرا لأنها تأخرت عن موعد عودتها المعتاد من العمل، ففي خضم هذا الشجار يوجه لها اللوم بقول مثلا “كان فاضل أنزل أدور عليكي في الشوارع، ما كنتي تتصلي تطمنيني”. أليس ذلك منتهى الحب، أليس ذلك الانفعال والشجار هو الخوف عليها وأن يحدث لها مكروه فيتعذب هو؟!
هي نفس المحبة غير المشروطة التي تملكها كل أم تجاه أبنائها، فإذا مرض أحدهم، توبخه بأنه لم ينصت لنصيحتها، وأنه أهمل في صحته، وفي خضم هذا الصراخ والانفعال على الطفل، تجلس إلى جواره تطببه وتراعيه، أليس ذلك منتهى المحبة المسئولة. وإذا تأملنا هذا العالم وتدبرنا أمر الأرزاق، فالخالق مسئول عن رزق جميع المخلوقات، وإذا أغضب الخلق خالقهم فإنه يؤدبهم، لكنه لا يمنع عنهم رزقه، فالجميع تشرق عليه نفس الشمس، وتهب عليه نفس الرياح، والجميع يُحصِّل رزقه على نحو ما، فإذا تخلى الخالق عن محبته المسئولة تجاه خلقه، فكيف سيكون حالهم؟ ليس هناك محبة دون مسئولية.
تحياتي
د. زياد شاكر
دكتوراه الأدب الإنجليزي
وباحث أكاديمي بجامعة تكساس الأمريكية
المزيد
1