تتفق العديد من نظريات علم النفس وطرق التعلم على أن الإنسان يمر بمراحل متتالية في التركيبة النفسية التي يتلقى من خلالها مفردات تعلمه الأولى وتعمل على تشكيل قدرته على الإدراك. أورد في هذا السياق النظرية التي قدمها ويليام بيري في عام 1970 عن أشكال التطور الأخلاقي والفكري لدى الإنسان منذ الطفولة وحتى مراحل البلوغ ومرحلة التعليم الجامعي.
تتفق العديد من نظريات علم النفس وطرق التعلم على أن الإنسان يمر بمراحل متتالية في التركيبة النفسية التي يتلقى من خلالها مفردات تعلمه الأولى وتعمل على تشكيل قدرته على الإدراك. أورد في هذا السياق النظرية التي قدمها ويليام بيري في عام 1970 عن أشكال التطور الأخلاقي والفكري لدى الإنسان منذ الطفولة وحتى مراحل البلوغ ومرحلة التعليم الجامعي.
يقول ويليام بيري أن نمو الإدراك يمر بثلاثة مراحل؛ المرحلة الأولى هي الثنائية المتباينة، يليها التعددية الفردية، ثم النسبية. الثنائية المتباينة هي نزعة طبيعية مبكرة لإيجاد معنى في الثنائيات المتضادة مثل الأبيض والأسود، الصواب والخطأ، ما يليق وما لا يليق، والحلال والحرام. في تلك المرحلة المبكرة من نمة الإدراك لاحظ بيري ميل الإنسان للثقة بالسلطات الخارجية كالأم والأب والجد والجدة، والمدرسين بالمدرسة.
يلي تلك المرحلة، مرحلة التعددية الفردية، وهي المرحلة التي يستطيع فيها الإنسان أن يربط بين أكثر من معنى لنفس الشيء، ومثال على ذلك إدراك أن الشمس هي نور ودفء ونجم سماوي. يتسم هذا الموقف بالفضول والبحث للوصول إلى المعلومات من خلال المساعي الفردية، دون السعي للحصول على موافقة السلطات الخارجية. بينما، تُظهر النسبية إحساسًا بالالتزام برأي أو جزء معين من المعلومات، والتي درسها الفرد خلال الموقف السابق للتعددية. علاوة على ذلك، فإن المعنى الذي تم التوصل إليه في هذا الموقف لا يقف وحده، فهو دائمًا متعلق بعوامل أخرى.
وسأهتم هنا بالمرحلتين الأولى والثاني فقط من نظرية بيري، حيث أن المرحلة الأولى التي يعتمد فيها الفرد على الأم والأب والجد والجدة في تكوين إدراكه الأولي. نرى في حياتنا المصرية الكثير من التناقضات التي ننقلها لأطفالنا في مراحل نمو إدراكهم الأولى، فعلى سبيل المثال، نحن نعلم أبناءنا الفرق بين الكذب والصدق، ونؤكد على أنهما يندرجان تحت الحلال والحرام، إمعانا منا، نحن الآباء، في ترسيخ المعنى والقيمة من وراءه. إلا أننا ونحن نعتبر أنفسنا قدوة، ومصدر التعلم الأول لأطفالنا نمارس الكذب كعادة يومية في أبسط التصرفات، وهنا تكمن المشكلة، أو بمعنى أدق يكمن السؤال، كيف نكون قدوة لأولادنا ونحن لا نمارس ما نطلب منهم ممارسته واتخاذه مبدأ للحياة.
مثال آخر، عندما ينتقل أبناؤنا من بيئة المنزل إلى بيئة المدرسة، ننقل لأولادنا نصيحة غريبة مثل “اللي يضربك، اضربه!” أو “متديش لحد أكلك”، وعلى بساطة هذين المثالين، إلا أن المضمون في غاية الخطورة، أنت يا عزيزي القارئ تزرع في الطفل أن من اعتدى عليك اعتد عليه، ثم في مرحلة لاحقة في مرحلة الجامعة أو العمل تطلب من نفس الشخص أن يكتسب مهارات الذكاء الانفعالي، والذكاء المجتمعي، وأن يتعلم فنون التفاوض والإقناع. كيف يتعلم تلك المهارات وهو قد تربي منذ نعومة أظافره على أن الندية ورد الإساءة بالإساءة هما السبيل الوحيد لأخذ الحق، والذي يكون نسبي في معظم حالاته. أما المثال الثاني “متديش لحد أكلك” فهو يربي في الطفل الأنانية على نحو نسبي؛ فأنت لم تعلمه مثلا أن يسأل زميله الذي يريد أخذ أكله عن السبب! فإذا لم يكن معه طعام فلا مانع من مشاركته. وإذا كان معه طعام فالاعتذار بالحسنى. الحقيقة أن هذا الشخص الذي تعود ألا يقاسم طعامه مع الغير، هم نفس الأشخاص الذين يضنون بنصف خبزهم على الفقراء والمحتاجين!
الأمثلة كثيرة يا عزيزي القارئ ولكن لا يتسع المجال لسردها أو الإطالة في الشرح، وأنا لا أستثني نفسي من الوقوع في تلك الأخطاء التي كنت أراها عادية، ولكن عندما أدركتها وأدركت حجم تأثيرها على الأجيال التي يفترض أن تبني الوطن وجدت أنه من الواجب مشاركتها إعمالا لقوله “أُعطيتم مَجانا، مَجانا أَعطُوا”.
تحياتي
المزيد
1