هل يمكن أن تحضر حفلة موسيقية أو حفل غنائي، فتكون تلك مناسبة لتعلمك أمرا أو أمورا جديدة؟ الإجابة، عزيزي القارئ، هي أجل. هل تذكر الاسم الذي أطلقته السيدة أم كلثوم على جمهورها؟ كانت تسميهم “السميعة” وتلك التسمية ليست من قبيل الصدفة، فلقد كانت السيدة أم كلثوم والقامات التي كانت معاصرة لها سواء من شعراء أو ملحنين كانوا يدركون جيدا أن السميعة يتلقون العلم على أيديهم.
هل يمكن أن تحضر حفلة موسيقية أو حفل غنائي، فتكون تلك مناسبة لتعلمك أمرا أو أمورا جديدة؟ الإجابة، عزيزي القارئ، هي أجل. هل تذكر الاسم الذي أطلقته السيدة أم كلثوم على جمهورها؟ كانت تسميهم “السميعة” وتلك التسمية ليست من قبيل الصدفة، فلقد كانت السيدة أم كلثوم والقامات التي كانت معاصرة لها سواء من شعراء أو ملحنين كانوا يدركون جيدا أن السميعة يتلقون العلم على أيديهم.
القصد هنا ليس العلم الأكاديمي، ولكنه العلم الحياتي الذي نتعايش معه في تجربة الدفقات الشعورية المتتالية التي تنطوي عليها كلمات أغنيات سيدة الغناء العربي أم كلثوم. إن جيلي ممن ولدوا في سبعينات القرن الماضي وآبائهم ممن ولدوا في الأربعينات مثلا، يعرفون تمام المعرفة بأن انتقاء الكلمات ومحتوى الأغنية وما تناقشه من موقف أو تصرف بالإضافة إلى اللحن المتميز ليسوا إلا مكونات وجبة دسمة متكاملة العناصر، تُنعِمُ على السميعة بحالة من الخروج خارج حدود الزمن، فتتحد مشاعر السميعة من كلمات ولحن الأغنية، ويستزيدون كوكب الشرق في أن تعيد على مسامعهم الكلمات وأحيانا الآهات التي تداعب وجدان السميعة.
وقد أتحير في اختيار النموذج المثالي، لكن تعالوا نتأمل كلمات أغنية “هجرتك”. من البيت الأول ترسي كوكب الشرق مرساة القلب على قرارها بالهجران فتقول “هجرتك يمكن أنسى هواك. وأودع قلبك القاسي، ثم تستكمل الأبيات ونجد حالة التأرجح بين اختيار الهجران والبقاء على الذكرى، فتقول “لقيت روحي في عز جفاك. بفكر فيك وانا ناسي”. من منا لم يمر بهذه التجربة الحياتية التي تجسدها الكلمات وتشدو بها كوكب الشرق؟ الكثيرون منا مروا بحالات الحب والافتتان بالطرف الآخر الذي يضن بمشاعره، فتجبرنا كرامتنا على اتخاذ قرار بالابتعاد، ولكن هل كنا حقا نستطيع الابتعاد أم كنا نفتعل الهجران؟ ولعل هذا البيت تحديدا يشير إلى الصراع بين العقل والقلب، “فضلت وانا بالي محتار. في الحب بين عقلي وقلبي”. هذا هو بيت القصيد يا سادة. إن إبداع ذلك الجيل من العمالقة كان ولازال يعلم أجيالا من السميعة عن قيم حياتية لا نجدها في فن هذه الأيام.
إن التجربة الشعورية التي كان يقوم بإبداعها مؤلفون الكلمات، والملحنون والمطربون لا يمكن أن تكون محض مصادفة أو نتاج البيئة الهادئة التي كانوا يعيشونها (أو التي نتصور أنهم كانوا يعيشونها)، بل كان هناك إصرار على تثقيف وتهذيب آذان السميعة. ولعلني اخترت أم كلثوم على وجه الخصوص لثراء تراثها الغنائي، وذلك لا ينتقص من حق الآخرين من أمثال محمد عبد الوهاب ورائعته “عاشق الروح” التي غناها في فيلم غزل البنات، وكانت حالة شعورية محورية تحاكي خيط الأحداث الدرامية في الفيلم.
ولا ننسى الأغنيات الوطنية التي غناها عبد الحليم حافظ، خلال الفترة من 1956 وحتى 1968، حيث أَرَّخَت تلك الأغنيات لأحداث سياسية ونهضة مصرية وعربية لا يمكن الاستهانة بأثرها على الوجدان الشعبي. هل عرفت الآن يا عزيزي القارئ، لماذا أعتبر حضور حفل موسيقي أو حفل غنائي تجربة تعلمية؟ أين نحن من هذا الفن الراقي الذي يهدف دوما إلى ترسيخ إنسانية السميعة؟
تحياتي
د. زياد شاكر
باحث أكاديمي بجامعة تكساس الأمريكية
المزيد
1