لم يصل العلم إلى تعريف جامع مانع لمصطلح “السعادة”، والمقصود بالتعريف الجامع المانع هو ذلك التعريف الذي يجمع في طياته ومفرداته جميع المعاني المتعلقة بشرح المصطلح ويمنع عنها أي التباس في المعنى. الحقيقة أن العلوم الإنسانية والعلوم الطبية وحتى العلوم الفلسفية بذلت جهودا كثيرة – ربما منذ عهد أرسطو حوالي 350 ق.م. لكي تقف على تعريف واضح وجامع لمعنى السعادة، إلا أن العلوم القديمة والحديثة لم تستطع أن تقوم بوضع تعريف للسعادة.
لم يصل العلم إلى تعريف جامع مانع لمصطلح “السعادة”، والمقصود بالتعريف الجامع المانع هو ذلك التعريف الذي يجمع في طياته ومفرداته جميع المعاني المتعلقة بشرح المصطلح ويمنع عنها أي التباس في المعنى. الحقيقة أن العلوم الإنسانية والعلوم الطبية وحتى العلوم الفلسفية بذلت جهودا كثيرة – ربما منذ عهد أرسطو حوالي 350 ق.م. لكي تقف على تعريف واضح وجامع لمعنى السعادة، إلا أن العلوم القديمة والحديثة لم تستطع أن تقوم بوضع تعريف للسعادة.
البديع في الأمر أن جميع التعريفات التي قد يصادفها القارئ تستقر على أن السعادة حالة شعورية وعقلية، حيث تنتج هذه الحالة جراء تصرف معين أو نهج ما يؤدي إلى الشعور بالسعادة. وحتى أقرّب الصورة للقارئ العزيز، دعوني أطرح على كل منكم السؤال التقليدي: ما هي السعادة بالنسبة لك؟ قد تصمت قليلا لتستجمع أفكارك وتصيغ واحدة من الإجابات التالية:
• السعادة هي الرضا
• السعادة هي النجاح في العمل وتأدية رسالتي في الحياة
• السعادة هي قدرتي على شراء (سيارة/منزل/ملابس/تلفون محمول…الخ)
• السعادة هي التخلص من حياة العزوبية والزواج (إعمالا للمثل المصر؛ أكمل نص ديني)
الأمثلة لا تنتهي، عزيزي القارئ، وذلك طبيعي جدا، فأعتى الفلاسفة وأكثرهم تدقيقا وبحثا احتاروا في الأمر، والخلاصة من الأمثلة السابقة هي أن السعادة لا يمكن تعريفها بشكل منفصل عن مسبباتها، فالشعور بالرضا عن النفس – مثلا – لا يأتي من فراغ، فالإنسان يشعر بالرضا عن نفسه عندما يؤدي رسالته بحسب المرحلة التي يمر بها، فإذا كان أبا أو أما فأحسنا تربية أبنائهما فقد أديا رسالتهما، أو إذا كان طالب علم وينجح في سنوات الدراسة المختلفة، فهو يصل إلى تلك الحالة الشعورية بالرضا عن أدائه وبالتالي شعوره بالسعادة. ربما يكون أيضا تحقيق الرغبات المادية مسببا للسعادة، فعلى سبيل المثال، الأطفال، إذا ابتعت لهم لعبة جديدة شعروا بالسعادة، وحتى الكبار البالغين إذا ما سعوا إلى تغيير سياراتهم أو منازلهم أو حصلوا على ترقية مهنية فإنهم يشعرون بالسعادة.
لذلك، عزيزي القارئ، السعادة ليست هدفا أو غاية في حد ذاته، إنما هي نتيجة لسبب مباشر، فالفعل الأخلاقي الذي يميز الإنسان يدفعه نحو الإحساس بالرضا عن الذات وبالتالي يكون سعيدا، ولا أعتقد أن السارق أو المرتشي أو أي مرتكب لجريمة ما أو أولئك الذين نَصِفَهم بقلة الأخلاق يشعرون بالسعادة، ربما يشعرون بالسعادة المؤقتة، إلا أنهم لا يشعرون بالسعادة على المستوى الداخلي المطلق، لأنهم في الحقيقة يفتقدون احترامهم لضميرهم الإنساني الذي مهما طالت حالة الموات التي قد تصيبه، فإنهم بلا شك يفتقرون إلى القدرة على الشعور بالسعادة.
إذا صادفت شخصا وسألته ماذا تريد في حياتك؟ فأجابك، “أريد أن أكون سعيدا”، فاعلم أن هذا الشخص لن يدرك السعادة أو يحققها، ببساطة لأنه لم يدرك أن السعادة نتيجة حتمية مؤقتة لفعل ما؛ فالأم مثلا تطهي صنوف الطعام ولا تشعر بالسعادة إلا إذا أثنى أبناؤها على طعامها وشبعوا، وربما طلبوا منها المزيد. على بساطة ذلك المثال، الذي قد يمر أمامنا مر الكرام، إلا أن تلك الأم بذلت جهدا لكي تطهي ذلك الطعام، والجائزة هي شبع الأبناء وبالتبعية، شعورها بالسعادة. إذا أردت أن تكون سعيدا، فعليك أن تصنع سعادتك بنفسك، مع إدراكك الكامل بأن السعادة شعور مؤقت دوما، إذ يسعى الإنسان للمزيد من تحقيق الذات، واعلم أيضا أن سر السعادة الحقة هو الشبع، فالنفس الشبعانة تدوس العسل.
تحياتي
د. زياد شاكر
رأي كاتب المقال يعبر عن وجهة نظره الشخصية وليس بالضرورة يعكس رأي الجريدة
المزيد
1