كان اليوم الأحد الموافق 15 سبتمبر.. الساعة تقريبا 10 ص.. و لقيت الباب بيخبط ،و فتحت ولقيت:
اثنين من الإسعاف واقفين عند باب جاري (جيري)، و معاهم الست اللي كانت بتيجي من وقت للتاني علشان تساعده.. كانت بتحاول تتصل بحد، بس الحد ده ما بيردش..
و سألوني الثلاثة وقالوا لي:
“أمتى آخر مرة شوفتِ جارك؟”
كان اليوم الأحد الموافق 15 سبتمبر.. الساعة تقريبا 10 ص.. و لقيت الباب بيخبط ،و فتحت ولقيت:
اثنين من الإسعاف واقفين عند باب جاري (جيري)، و معاهم الست اللي كانت بتيجي من وقت للتاني علشان تساعده.. كانت بتحاول تتصل بحد، بس الحد ده ما بيردش..
و سألوني الثلاثة وقالوا لي:
“أمتى آخر مرة شوفتِ جارك؟”
قلت لهم:”أول أمبارح.. يوم الجمعة حتى جه و جابلى شنطة فيها حاجات كتير”
و سألوني تاني:” يعني دي أخر مرة؟! يعني ما شوفتيهوش تاني بعدها؟”
رديت و قلت لهم :” لا انا امبارح كنت طول اليوم في شغلي، و بصراحة ما شفتهوش ولا حتى قدرت اعدي عليه زي ما كنت متعودة اعمل”
و شكروني و قالوا لي:” طيب تمام ..اتفضلي احنا هنشوف شغلنا”
و مقدرتش ادخل، و قلبي وقع في رجليه، و كنت عايزة اعرف ايه اللي حصل الجاري الطيب عم (جيري)!!..
و وقفت وراهم بس ما رضيوش اني ادخل البيت.. و كسروا الباب و دخلوا،و للأسف لمحته واقع على الأرض… و ما بيتحركش
و قفلوا الباب وراهم و منعوا أي حد انه يدخل.. و فضلت واقفة بره و انا شايلة البيبي، و مقدرتش اني ادخل واقفل الباب ورايا زي ما قالوا لي..
و بعد حوالي نص ساعه لقيتهم طالعين به… بس للأسف طالعين به على سرير، و في كيس أسود مقفول عليه..
و جت الست اللي كانت بتساعده، و طبطبت علي و قالت لي:
“معلش شدي حيلك.. هم لقيوه ميت.. جاتله سكتة قلبية، و تقريبا ميت من امبارح، و زي ما انتِ عارفة هو عايش لوحده، فمحدش لحقه”
و اتجمدت مكاني.. و كل اللي فاكراه اني شوفته و هو مرمي على الأرض ميت، و الصورة التانية وهو في الكيس الأسود و شايلينه و ماشيين به..
معرفش إزاي دخلت بيتي!! و معرفش إزاي عدت على الأيام!! بس كل اللي انا عارفاه اني دخلت في حالة صدمة استمرت اسبوع
جاتلي صدمة من الواقع .. الواقع اللي بخاف منه، و بخاف جدا من قسوته
و فضل شكل جاري وهو مرمي على الأرض ميت لوحده هو اللي شايفاه طول الفترة دي.. و غصب عني دخلت في حالة إكتئاب
و عزلت نفسي الاسبوع ده عن الناس.. حتى ماما قلقت علي جدا اني مش ببعتلها رسايل صوتيه زي ما انا عودتها، بس كتبتلها جملة واحدة و قلت لها:
:اعذريني يا ماما جاري مات، و انا نفسيتي تعبانة جدا بسبب الموقف ده لأني شفته قدام عينيه”
و اعتزلت الناس، و الحياة، و كل حاجة حواليا.. او بمعنى اصح اخدت اجازة شوية من الدنيا، و دوشتها، و زحمتها
كان أسبوع مرير علي.. يمكن الحاجة الوحيدة اللي كانت بتهون علي فيه مراعاتي لإبني الصغير..
و فضلت ألوم على أولاد جيري اللي سايبينه لوحده، و ألوم على الوحدة .. و بقيت مش عارفة انا بعيط عليه، ولا بعيط على نفسي..
و يمكن ما حستش إني أحسن.. إلا لما مسكت قلمي، و كتبت كلام يعبر فيه عن جاري الطيب… اللي هفتقده جدا.. و كتبت، و قلت:
أنا و جيري
أتذكر هذا اليوم جيدا عندما نقلت إلى بيتي الجديد و معي امي و ابني . بعدها بساعات قليلة كان يوجد من يطرق الباب. وجدت جاري معه طبق حلويات و ايس كريم معبرا عن ترحيبه بنقلي الى البيت الجديد. سعدت جدا بهذا الترحاب، و كعادتنا في مصر ارسلت له الطبق و فيه كنافه من صنع ست الحبايب . لفت نظري ان هذا الرجل الكبير في السن يعيش وحيدا، و عنده صعوبه في الحركه.. و بالرغم من ذلك يذهب لتسوق احتياجاته من الطعام، و يقوم بغسل ملابسه في المغسله و خلافه . اخذت عهد على نفسي ان اطمئن على أخباره عندما يسمح لي الوقت.. وسألته:” هل لك اولاد؟” اجاب:” نعم لكنهم يعيشون في مدن اخرى و يأتوا لزيارتي مرة في الاسبوع، واحيانا كل اسبوعين”. كان دائم السؤال علي.. و بشوش جدا، و كنت و ابني دائما ما ندخل عليه البهجة، و أتحدث معه في أمور خفيفة حتى لا أثقل عليه. الاسبوع الماضي كنت منشغلة بعملي في مهرجان السينما، و لكني وجدت وقت و ذهبت للاطمئنان عليه ,كان ينتظرني و قال لي كنت متأكد أن لديكِ ما يشغلك، و كنت انتظر سوْالك” . يوم الجمعه وجدته شاحب الوجه.. حاولت أن أساعده.. عرضت عليه ان اذهب و اتسوق له احتياجاته، لكنه رفض وقال لي:” إني ذاهب مع صديق لا تقلقي”. عاد و طرق الباب و أحضر لي و لأبني بعض الحلويات و الحليب ..شكرته جدا، و تبادلت معه الحديث.. قال لي:” اتعرفي انتي من اتحدث معها كل يوم، و بدونك كنت نسيت الكلام” .. اليوم كنت انوي عمل بعض الفطائر لاشاركها معه، لكن وجدت من يكسر الباب من الاسعاف و الشرطة و قد سألوني عن اخر مرة رايته فيها أجبتهم:” أول أمس”.. و إذا بهم يجدونه قد فارق الحياة.. وحيدا، و لكن عزائي اني ودعته.. سأتذكرك دائما يا جيري و رحمة الله عليك !
اتكسر قلبي جدا لما قلب جيري وقف عن الحياة لوحده، و ساب الدنيا..
لكن لأن الحياة نعمة كبيرة فلازم الواحد يرجع يقوم، ويقف على رجليه تاني مهما كانت في حاجات بتكسره، و بتوجعه غصب عنه..
و لأني فكرت كتير في نفسي و في حالي .. حسيت اني صعبانة على نفسي زي جيري تمام، و قلت لنفسي:
“انتِ خايفة لتموتي لوحدك في كندا؟ ما تخافيش الأعمار بيد الله.. وبعدين طلعي التفكير المتشائم ده من دماغك”
و رد عقلي و قال:” بس انا متفق مع قلبك على فكرة.. و انا عندي لكِ حل علشان تحسي بالأمان، و على الأقل تحسي انك بتسعي لتحقيق هدف ممكن يخفف من عليكي ألم التفكير في الموضوع ده”
يا ترى عقلي شار علي بإيه؟
المزيد
1