و لقيت نفسي رايحة عند مكتبي اللي بيطل على شباك أحلامي، و بصيت على السماء و تقابلها مع البحيرة، و لقيت قدامي الأفق.. و رسمت عليه 3 كلمات كانت: بيت في مصر
كان القرار ده بعد ما كتبت كلام بيني و بين نفسي بعبر فيه عن إحساسي و مشاعري.. كتبت الكلام ده..
البحث عن الوطن
الحياة بين الوحدة، و الغربة بالفعل مره، و ليست الحلم الذهبي اللذي يتطلع له الكثيرون . و انا في العشرين من عمري كان حلمي السفر، و تحقيق احلامي كان يتمثل فقط في هذا الجزء و قد حققته بالفعل، و لكن عشت ايام صعبة جدا في دبي لم احبها ابدا، لكن حققت هذا الحلم من خلالها . ايام دبي كانت معظمها خيبة امل وعدم تقدير في العمل ،عدم توفيق في ايجاد شريك حياه مناسب، و بها ايام و سنين كثيرة من الوحده و الالم. كان القرار بعدها الهجرة لبلد بعيد كل البعد عن الوطن، والعيلة، والذكريات.. و في هذا البلد الجديد تغيرت مشاعري. اصبحت اشعر بلامبالاه لاشياء كثيرة . اعتقد انه تعود على المرارة، والغربة، و نفس الحلقة المفرغه من عدم تقدير في العمل، و خيبات الامل، و عدم توفيق مع الشريك. انا شخص يعشق الاحلام… لانها الطريقة الوحيدة اللتي تبقيني على قيد الحياة، لكن فعلا كل شيء صعب، و احيانا ليس له طعم. انا اعرف حلمي جيدا و اتمنى تحقيقه… اتمنى ان اكون بين هذا البلد البعيد لارتباطي به في نواحي كثيرة، و بلدي الام . اشتاق لبلدي، و اتمنى ان احقق هذا الحلم . لا اريد ان افني عمري كله في سنوات و سنوات من الوحده و الغربه . الشوارع تزيدني وحدة، و الوجوه، و كل شيء… و العمر مهما طال قصير. حلمي تغير.. و اتمنى تحقيقه يوما ما… لم يعد السفر . لا اريد الرجوع للوطن و انا ميته لادفن فيه… اريد ان اعيش فيه لانه وطني، و انا احبه.
و سألت نفسي:” ياه هو البيت اللي في مصر اللي يحسسني بالأمان؟ ”
و رد علي عقلي و قال:” هو مش أمان مطلق.. و بعدين مفيش أمان في المطلق.. الحياة نفسها مخاطرة، لكن خطوة حلوة بالنسبة لك.. فاكرة لما ادركتي من أول سنة هجرة أن أفضل شيء أنك تكوني بين مصر وكندا”
رد قلبي و قال:” صح …فعلا”
و كمل عقلي و قال:” وعلشان تحققي ده لازم تبدئي في التفكير، و التخطيط، و التنفيذ من دلوقتي قبل فوات الأوان..”
و اقتنعت بالكلام.. بس سألت عقلي أبو الأفكار و قلت له:” بس أجيب شقة منين و ازاي؟ ده انا يادوب عايشة هنا”
قال لي:” هتعرفي.. انتِ بس حطي الفكرة في دماغك، و انا على التخطيط، و عزيمتك التنفيذ”
و في لحظة تحولت ل 3 أفراد و ال 3 هيشتغلوا كفريق عمل نحو تحقيق هدف كبير، و حلم مش سهل..
و مسكت ورقة و قلم، و حاولت احسب ايه الفلوس اللي معايا، و اللي ممكن تكون مقدم..
و لقيت فلوس كنت محوشه من الدراسة الأخيرة اللي كنت شغالة عليها على قبض المهرجان يعني الاثنين كانوا حوالي 2500 دولار كندي
و قلت لنفسي:” بس دي فلوس قليلة جدا”
و افتكرت اني كنت مقدمة على قرضين بعد ما نقلت البيت الجديد..
واحد كان من مؤسسة اسمها YWCA و دي مؤسسة خاصة بالسيدات بتساعدهم في حاجات كتير، و من ضمن المساعدات عندهم برنامج قرض ال 1000 دولار بيساعد اي ام نقلت على بيت جديد و مش مشترط عليها اي حاجة غير انها طبعا ترد القرض.. و اللي كان بدون فايدة.. و عملت متابعة معاهم، وفعلا اتقبلت و صرفولي القرض و زودت كمان الف دولار
أما المكان التاني فكان اسمه Access Community و كنت عرفتهم من خلال برنامج TBDC للبيزنس
كان من حق المتخرجين من البرنامج التقديم على قرض فايدته منخفضة جدا، و ممكن يستخدموه حتى في سفرية لو فيها جزء خاص بالبيزنس .. وقدمت سبب القرض اني اسافر في محاولة مني اني اتعرف على السوق في مصر و احتمالية اني احضر معرض.. و وافقوا لي على القرض و اللي كانت فايدته لا تتعدى ال 5% و كان مبلغه كويس .. كان 5 آلاف دولار..
و زودت الفلوس على اللي شايلاهم، و بكده وصلت ل 8500 دولار
و قبل ما ينتهي شهر سبتمبر و مع بدايات اكتوبر كنت كملت ال 8500 دولار ل 10000 كاملين من خلال شغلي مع (ستافي)
و قعدت تاني مع عقلي و عزيمتي و قلت:” طيب يا شباب كده وصلنا ل 1000 دولار هنعمل ايه ؟” و هل ممكن حد ياخد الفلوس دي كمقدمة؟”
قالوا لي:” بدل ما تلفى حوالين نفسك.. امسكي التليفون وكلمي مامتك .. حاولي تشوفي حد من العيلة يكون بيبيع او عايز يبيع شقة”
و فعلا عملت كده و كلمت ماما و سالتها و قالت لي:” اه في واحد قريبنا- تربطه بينها صلة كويس جدا و رجل معروف عن الامانة و حسن الاخلاق- ممكن أسأله لو عايز يبيع شقة من اللي عنده ”
و طلبت من ماما الطلب ده، و حست مني قد ايه اني متمسكة جاد بالحلم ده، و قالت لي:”
“بس غريبة انك عايزة تشتري بيت في مصر!!.. طيب ما تروحي تشتري بيت في كندا”
قلت لها:” بيت كندا عايز دخل كبير و ثابت و انا لسه مش في المرحلة دي، لكن بيت في مصر مقدور عليه”
و لو جينا للواقع فبيت مصر مكنش مقدور عليه، لكن عزيمتي قوية جدا في تحقيق الحلم ده..
و كملت كلامي و قلت لها:” مش عايزة اموت لوحدي في كندا يا ماما.. عايزة لما اكبر اكون عايشه بين مصر وكندا.. مش عايزة اموت من الوحدة والاكتئاب”
ردت و قالت لي:” ليه بتقولي كده؟! و بعدين انتِ لسه صغيرة و ممكن تتجوزي تاني”
قلت لها:” محدش عارف الخير فين، بس انا مش هستنى حاجة في علم الغيب.. لازم اشتغل على هدفي وحلمي بدون تخيل الشريك الوهمي فيه.. او لو صح التعبير الشريك الخيالي..”
ضحكت ماما وقالت لي:” ماشي يا فيلسوفة… هو انتِ حد يعرف يغلبك في الكلام”
و اقتنعت ماما بفكرتي.. و كنت فاهمة كويس جدا ان ماما لها دور مهم جدا في الخطة دي تمام زي عقلي، و عزيمتي.. و انضمت لفريق العمل، و بقت مديرة المشروع، و مسؤولة المفاوضات..
و غابت كم يوم ورجعت لي بالخبر الحلو و قالت لي:
“اسمعي الرجل وافق بس هو بيسألك انت ِ معاكي مقدم كم؟”
قلت لها:” بالمصري حوالي 125 ألف جنيه..”
قالت لي:” طيب حولي الفلوس دي و هيكتب لك بهم وصل و لما توصلي الفلوس ل 500 الف هيكتبلك العقد”
قلت لها:” طيب.. بس بقولك صحيح الشقة بكم؟ و ممكن ادفع له تمنها على قد ايه؟ انا عارفة ان ربنا فاتحها عليه و عنده اكتر من شقة.. يعني مش مستعجل على بيعها صح؟”
قالت لي:” لا مش مستعجل على بيعها و بصراحة مكنش بيفكر يبيعها اصلا، لكن انا اقنعته و سعرها 625 ألف جنيه و هيديكي 3 سنين تقسطي فيهم تمن الشقة”
حسيت ان التحدي الكبير ان ادفع ال 500 الف الاولانيين في أول سنتين، لكن عقلي و عزيمتي ادوني دفعة كبيرة، و رديت على ماما منتهى القوة و الثبات و قلت لها:
“ماشي انا هنفذ الكلام ده”
و لان ماما كانت شايفة انا عايشة إزاي فكانت مستغربة جدا من الهدف… و اللي مستغربة منه اكتر تصميم على تحقيقه..
و سألتني:” هتبعتي المقدم إزاي؟”
قلت لها:” مش هبعته انا هنزل مصر بنفسي و هسلمه للرجل يدا بيد”
و فرحت ماما بالخطوة دي و قالت لي:” يلا اتجدعنى .. بصراحة دي احسن حاجة ممكن تعمليها لنفسك”
و بدأت أفكر امتى ممكن انزل مصر.. و مبدئيا فكرت في آخر السنة لأني كنت عايزة أعمل تعديل لشغلي… خصوصا ان الحاجات اللي عملتها قبل كده مكانش فيها استمرارية و قررت قرارين..
قررت اني اغير مجال الإستشارات بتاعتي، و قررت اني ما اشتغلش في الموضة ولا الاكسسورات..
و فكرت في مجال جديد يكون محور مكتبي، و قررت كمان اني ادرس المجال ده
يا ترى إيه هو المجال ده.. و هدرسه فين؟

9