و كلمت صديقة الفنزويلية و سألتها لو تقدر ترشحلي مدرس سواقة، و فعلا رشحتلي واحد هي خدت معاه دروس يعني المفروض مجرباه و كان من (نيكاراجوا- أمريكا الوسطى).
كان كلامه كتير و كانت نظراته ما بتريحنيش و كنت حساه متحرش في نفسه، بس كنت دايما ببصله بصه ابينله إني واخده بالي لو فكر مثلا و عمل أي حركة مش عاجباني، و اعتقد إني وصلتله الرسالة إني مصحصحاله أوي.
و أتفق معايا على مرتين في الأسبوع و الساعة ب 25 دولار و على عربيته، و كنت بقابله عند محطة مترو قريبه له و بعيدة جدا عني. و كانت الدروس في أيام رمضان، و للأسف مكانتش فكرة سديدة ابدا لأن وقت رمضان كان صعب و مجهد بصفة عامة و مكانش مستحمل أبدا إني أزود على نفسي المشقة بدروس السواقة، و كان قرار و توقيت غلط جدا أنا ما فكرتش فيه صح.
كانت أيام رمضان مكملة زي ما هي عليه من تعب و إجهاد و طبيعة شغل تجيب صداع أكتر من أي حاجة تانية!
و بدأت آستنى العيد بفارغ الصبر علشان أقدر أركز في شغلي أكتر خصوصا انه كان عامل زي المفرمة.. بدأت أتخيل نفسي عاملة زي الهامستر وهو بيجري على العجلة و محطوط جوه قفص الوظيفة اللي بدأت كل مدى أحس إني مش حاباها بالمرة لأسباب كتير و من أهمها:
أولا بعدها الشديد عن البيت و إني بضيع اربع ساعات يوميا من يومي في المواصلات
ثانيا بدفع فلوس كتير في المواصلات.. آه باخد مرتب كويس نسبيا كان حوالي 2300 دولار بعد خصم الضرايب، بس كنت بصرف اشتراك مترو ال(تي تي سي) ب 142 بعدين اشتراك تاني خاص بمدينة (يورك)، وبكده كانت تكلفة المواصلات الإجمالية حوالي 300 دولار يعني صافي المرتب ألفين
ثالثا طبيعة الشغل نفسها.. آه أتعلمت كتير وأتدربت أكتر، بس مكانش فيها حرية، ولاإبداع، ولا تكوين أي علاقات زي مثلا شغلي أيام الملحق الإيطالي. وهنا بدأت احن لوظيفتي القديمة و المكان كمان وأحاول أتخيل لو قدرت تاني اقدم عليها و أسيب المكان ده. لكن حاولت اكون منطقية و عملية اكتر و قولت لنفسي:
“خلاص انت دوري على حاجة تانية وخليكي هنا طبعا ده انت عليكي مصايف كتير، وكمان كان يا دوب ملف الهجرة بتاع روميو بعت لي و طلب مني أوراق و كانت كلها خاصة بوظيفتي و مرتبي و كانوا حتى عايزين جواب من الشركة يثبت مدة توظيفي و مرتبي و أخر مرتب استلمته من الشركة.. إحنا آه قدمنا في شهر فبراير 2017، بس كل شوية المحامي يبعتلي و يطلب مني أوراق زيادة.
و بالتالي وجودي من مصلحة روميو من جميع النواحي، من ناحية إني كفيلته في طلب الهجرة، و من ناحية إني أساسية كمان في دفع الإيجار لأن شغله دايما كان على كف عفريت و مش ثابت..
حاولت أمشي حالي في الشغل على قد ما اقدر، ولكن تصادف شوية حاجات زودت ضغطه عليه زي:
إن السنغالي قرر يمشي و ده معناه انهم هيحتاجوا حد مسؤول عن الحساب الفرنسي بس لحد ما يلاقوا حد تاني. و هنا قرروا يحطوني أنا، وبصراحة دي كانت حاجة فوق مستوايا في اللغة وفوق طاقتي لكن المشرف جالي و قالي:
“أسمعي أنا هخليكي مسؤولة عن شغل السنغالي كمان بالإضافة لشغلك لحد ما نجيب حد بيتكلم فرنساوي”
قولتله:”أيوه بس أنا لغتي الفرنسية يا دوب متوسطة مش هقدر أكون زي السنغالي أبدا”
قالي:”أنت بس ركزي و هتقدري، أنا واثق فيك”
و حاولت أجي على نفسي جدا وأعمل شغلي على قد ما أقدر لدرجة إني كنت بحفظ الجمل اللي بتتقال في التليفون زي البغبغان، و كان ده في حد ذاته ضاغط علي بس عملته علشان ما يهددش وظيفتي..
أما البنتين الصينية والهندية فكانوا من وقت للتاني بيحاولوا يستفزوني و يحسسوني انهم مشرفين علي بالرغم إن ده مش حقيقي، لكن المديرة اللي كانوا بيعاملوها كملكة و كانت مستبدة جدا كانت في صفهم بالتأكيد و كانت بتحاول تلاقي أي ثغرة تدخلي منها. كانوا فعلا رباطية علي، و بشكل أو بأخر كانوا حاطيني في دماغهم، لأني ما كنتش بتعامل مع المديرة دي زي ما الباقي بيتعامل معاها، و كنت بتجنبها لكن لو فكرت تتعامل معايا وحش كنت برد عليها و ابسط شيء أقوله لها:
“أولا انت مش مديرتي، ثانيا لو فكرتي تتعاملي معايا بأي شكل مش مقبول أنا مش هسكت”
و كانت حريصة إنها ما تغلطش ولا تضايقني بشكل مباشر بس بدؤوا يتصيدولي الأخطاء مهما كانت صغيرة، و ده في حد ذاته شيء مرهق عصبيا جدا..
طبعا جو الشغل كان كله صراع نفسي وكنت بحاول ما احسسش روميو إني متضايقة علشان أطمنه إني متثبته و إننا متغطيين و كمان ورق الهجرة بتاعه ماشي تمام..
لحد ما في يوم كنت متضايقة جدا من حركات الرباطية دي عليها، ومحاولتهم الدائمة لتصيدأي خطأ، و مشيهم ورايا بالميكروسكوب و قولتله وأنا على أخري:
“أنا بفكر أدور على حاجة تانية أو حتى اقدم على قسم تاني جوه الشركة إيه رأيك؟”
حسيته بيحاول يشجعني بس كان جواه حتة خوف زي ما يكون بيقول لنفسه:”ما ينفعش تقعدي حتى يوم من غير شغل انت أساس البيت ده في كل حاجة و أساس ملفي في الهجرة”
و قالي بصوت مسموع:” أكيد يا حبيبتي، بس حاولي تحسني علاقتك بهم بقدر الإمكان وافتكري أن شغلي مش ثابت لكن انت الأساسية ”
رديت و قولتله:”أيوه مفهوم”
و فعلا حطيت خطة عمل كعادتي من أول مشوار غربتي و أمتدادا لهجرتي، وحطيت في دماغي إني اقدم على وظايف داخلية في الشركة نفسها، وإني أشوف الملحق الإيطالي أو القنصلية العامة و كمان اقدم على وظايف تانية في أماكن أخرى..
و لقيت فرصة جوة الشركة نفسها في قسم تطوير الأعمال اللي كانت مديرته معايا في إيطاليا، ووظيفة في القنصلية الإيطالية و قدمت على حاجات تانية كتير في شركات عالمية و كندية..
و بعد الفترة اللي تبان طويلة نسبيا لكن هي في الحقيقة قصيرة خلص شهر رمضان. و أتصادف إن اجازتي و أجازة روميو جاية مع عيد الفطر.
و هنا كان لازم اعمل برنامج مميز علشان نستمتع به بإجازة العيد، و فكرت في خروجة جميلة و بسيطة و مش مكلفة، خصوصا إني كنت رحت عملت لروميو كارت مكتبة و خدتله تذكرة و أنا كمان من تذاكر المتاحف المجانية. و قررنا نزور مكان مكانش راحه قبل كده و كان المكان هو (روم) أو متحف أونتاريو الملكي في وسط البلد..
و رحت جبت فطار مميز نفطر به و كان عبارة عن كرواسون باللوز من المخبز الفرنسي لأني ما شغلتش نفسي بصراحة إني أدور على كحك و بسكوت العيد..
بعدها لبست البلوزة البيج في أسود اللي كنت جايباها من ميلانو علشان كانت جديدة و بورقتها، و كعادتي إني البس حاجة جديدة في العيد..
ساعتها روميو جالي من نفسه و قالي:” علشان خاطرك أنا هلبس قميص من القميصين اللي جبتهوملي من ميلانو”
و فعلا لبس و أتشيك هو كمان و ركبنا المترو و انطلقنا ناحية المتحف..
و نزلنا المحطة اللي استقبلتنا بتماثيل كتير من الحضارة المصرية القديمة، و نقوش هير وغلوية و كانها رسالة لأي زائر للمتحف إن اهم ما يميز المتحف هو الجناح المصري.
و قعدت الفف روميو و كانت مسيطرة علي روح المرشدة السياحية، لحد ما وصلنا للجناح المصري، وكان أكبرهم وأحلاهم وحقيقي حسيت بفخر. و صورني روميو صور كتير و أنا بتجول في أنحاء الجناح و ببعت سلامي لأصولي، و تاريخ بلدي العريق..
و لفت نظري مكان كنت لما جيت في 2015 و قبل ما استقر في كندا، وهو جناح الديناصورات و كنت أتصورت فيه صورة لوحدي ساعتها قولت لروميو:
“أسمع أنا عايزة أتصور معاك صورة هنا في المكان ده بالظبط.” و ناديت واحدة و صورتنا..
بعد الصورة سألني روميو و قالي:” أشمعنى المكان ده بالذات؟!”
قولتله:” لما جيت في 2015 وقبل ما استقر هنا خدت صور في نفس المكان لوحدي، والنهاردة أنا فيه، و معاك، وعندي أمل كبير إن حياتي هتكون أحسن حتى لو في صعوبات بتواجهنا”
قالي:” أكيد يا روزة، أنا مقدر و عارف انك بتتعبي حتى علشان تحققي حلمي، وهو الإقامة، وإني أعدل وضعي في البلد علشان اقف جنبك بعدها و أبدء أخد خطوات فعلية أحقق بها أحلامك انت كمان”
و هنا اتفقنا لما نرجع البيت إننا نجيب كراسة و نكتب فيها أحلامنا اللي إحنا عايزين نحققها مع بعض..
أما بالنسبة للشاب المغربي، فكان خلاص فاضله أيام و يمشي و كنت علمت إعلان قبلها بفترة و محدش جه خالص المرة دي، لكن أخيرا شاب من نيجيريا كان بيدرس في تورنتو هو الوحيد اللي أكد على انه هياخد الأوضة، من أصل 5 اكدوا بس ما حدش منهم دفع أي مقدم، وبالتالي هنروح مع اللي دفع أسبوع مقدم لأنه أكيد مش عايز الفلوس تروح عليه بس أنا كلمته و قولتله:
“أسمع انت حولت بس أسبوع، يعني أول أسبوع من شهر يوليو. أعمل حسابك أول ما تنقل أو قبل الأسبوع ما ينتهي تكون محول باقي الفلوس”
وقتها قالي:” أكيد ما تشغليش بالك أبدا ”
و خلاص مشي الشاب المغربي، وجه الشاب النيجيري علشان يسكن معانا..
يا ترى التزم و دفع بعد أول أسبوع و لا غلبنا؟
المزيد
1