يخوض أحد مجتمعات السكان الأصليين في كندا معركة قضائية مع التاج البريطاني، لإثبات حقوق ملكيته التاريخية للأرض بالاستعانة ببراهين من أشجار الأرز الأحمر المعمرة ومذكرات المستكشف البريطاني الشهير القبطان جيمس كوك.
أوكسيجن كندا نيوز
يخوض أحد مجتمعات السكان الأصليين في كندا معركة قضائية مع التاج البريطاني، لإثبات حقوق ملكيته التاريخية للأرض بالاستعانة ببراهين من أشجار الأرز الأحمر المعمرة ومذكرات المستكشف البريطاني الشهير القبطان جيمس كوك.
تقف ميليسا جاك، مرتدية قبعتها المصنوعة من لحاء شجر الأرز الأحمر، وهي تمسك بالميكروفون أمام مبنى المحكمة العليا في كولومبيا البريطانية في يوم خريفي دافئ، إنها تحمل رسالة مهمة بالنسبة لأبناء مجتمعها من سكان كندا الأصليين.
وكانت ميليسا تصيح وسط هتافات حشد من الناس “لقد أثبتنا من نحن، ومن أين أتينا، ولن نذهب إلى أي مكان”.
في سبتمبر/أيلول عام 2022، سافرت ميليسا جاك وحوالي 100 شخص آخر من أنحاء مختلفة من مقاطعة كولومبيا البريطانية، ليقفوا معا خارج مبنى المحكمة العليا حيث كانت جلسات الاستماع تقترب من نهايتها في قضية حقوق ملكية الأراضي، التي تحظى باهتمام كبير، وتكافح للفوز بها قبيلة “ناتشلات” التي تنتمي إلى مجموعة “الأمم الأولى” وهي إحدى مجموعات سكان كندا الأصليين.
لا تقتصر أهمية قضية “ناتشلات” على ميلسيا جاك ومجتمعها فحسب، إذ ستكون لنتائجها تأثيرات كبيرة على مطالبات باقي مجتمعات السكان الأصليين في البلاد بالحق بملكية الأراضي، وعلى التزام حكومة المقاطعة بالمصالحة الوطنية معهم.
وكما يقول أحد الخبراء بهذه القضايا، يمكن أن يكون القرار بمثابة “الحجر الأول في لعبة الدومينو الخاصة بحقوق السكان الأصليين”.
وقد لجأت قبيلة “ناتشلات” من أجل كسب القضية إلى استخدام دليل فريد، تقول إنه ليس جزءا من تراثها الثقافي فحسب، بل أيضا أرث حي ومهم يجب الاعتناء به من أجل إصلاح الأرض المتضررة.
ميليسا جاك ممسكة بقبعتها المصنوعة من لحاء أشجار الأرز الأحمر، الذي تشكل استخداماته المتعددة جزءا من التراث الثقافي لمجتمع “ناتشلات”
ورفع ممثلو شعب “ناتشلات” دعوى قضائية ضد حكومة المقاطعة عام 2017 مطالبين بحقوق وسندات ملكية أرض تبلغ مساحتها نحو 200 كيلومتر مربع وتقع في الجزء الشمالي من جزيرة نوتكا، على الحافة الغربية لجزيرة فانكوفر.
وتقول قبيلة “ناتشلات” إنها المالكة الشرعية للأرض، وإنها ملكها منذ آلاف السنين، ولم تتخل عنها أبدا.
ولكن التاج البريطاني، الذي يمتلك الأرض الآن، ينفي ما يقوله مجتمع “ناتشلات”، ويجادل بأن هذا المجتمع لم تكن صلته مستمرة بهذه الأرض.
ويستند محامي “ناتشلات” في دفاعه عن حق ملكية الأرض إلى أن القبيلة أُجبرت على ترك أراضيها بسبب إنشاء نظام المحميات في كندا، إلى جانب أسباب أخرى، إذ خصصت الحكومة الفيدرالية مساحة من الأرض للاستخدام الحصري لما يسمى “الأمم الأولى”، وهي واحدة من ثلاث مجموعات من السكان الأصليين في كندا، وتنتمي إليها قبيلة “ناتشلات”.
ويقول جوردان مايكل، زعيم قبيلة “ناتشلات”، لبي بي سي “خصصت لنا حكومة كندا قطعة صغيرة من الأرض، وهي لا تتمتع بأي قيمة ولا تحتوي على أي موارد. لهذا السبب نحن نقاتل في المحكمة الآن، ونناضل من أجل القليل المتبقي من حقوقنا”.
ولكي تتمكن قبيلة “ناتشلات” من الفوز في القضية، فعليها إثبات أنها كانت تعيش على الأرض بشكل مستمر وحصري في عام 1846، عندما آلت السيادة على ما يعرف الآن باسم كولومبيا البريطانية إلى التاج البريطاني بموجب معاهدة موقعة مع الولايات المتحدة.
ويؤكد أفراد مجتمع “ناتشلات” الذين يبلغ عددهم 160 شخصا، أنهم سينتصرون في النهاية.
ويقول آرشي ليتل، رئيس مجلس “ناتشلات”، إنهم واثقون من الفوز “عددنا صغير، لكننا أقوياء”.
ولم تعلق حكومة المقاطعة على القضية، رغم أنها قالت سابقا إنها تحترم حق السكان الأصليين في اختيار كيفية تسوية القضايا القانونية، بما في ذلك اللجوء إلى المحاكم.
ويقول أرشي ليتل، إنه في حال فاز شعبه بحقوق ملكية الأرض “سنديرها، ونستصلحها، ونحميها”.
ويضيف “نحن بحاجة للمساعدة في إصلاح الأرض. سنزرع الأشجار المناسبة، ونبدأ عملية الإصلاح. إنه عمل ضخم، لكننا على استعداد لذلك. نريد أن نثبت أنه يمكننا امتلاك وإدارة الأرض بشكل أفضل”.
ومن المتوقع صدور الحكم في القضية خلال الأسابيع المقبلة.
شجر الأرز المعمر في قاعة المحكمة
تمتلك جزيرة نوتكا ثروات طبيعية غنية. وتوجد فيها ثروة سمكية وفيرة، وأراضيها مغطاة بالغابات المعمرة الكثيفة. وهي موطن أشجار الأرز الأحمر القديمة، التي يمكن أن تعيش لأكثر من 1000 عام.
ويمكن لأشجار الأرز الحمراء أن تصل إلى أحجام عملاقة في الغابة، وهي تتميز بلون لحائها البني المحمر. ويبلغ ارتفاع أضخم شجرة من هذا النوع في كولومبيا البريطانية 56 مترا، أما قطر جذعها فيبلغ 6 أمتار.
وقد كانت هذه الأشجار المعمرة من بين أكثر الأدلة غرابة التي قدمها شعب “ناتشلات” لإثبات أنهم عاشوا بشكل متواصل على الأرض، التي يطالبون بها في جزيرة نوتكا.
وقد طلبوا من عالم الآثار جاكوب إيرنشو القيام بالبحث وتقديم الأدلة حول ما يسمى بـ”الأشجار المعدلة ثقافيا”، وهي الأشجار التي تستخدم تراثيا من قبل السكان الأصليين، وخاصة بما يتعلق بجمع قطع من لحائها.
ويقول إيرنشو لبي بي سي إن “الأشجار المعدلة ثقافيا مهمة حقا”.
ويضيف “تتعلق براهين ملكية الأرض بإمكانية إثبات شغل الأرض (من قبل السكان الأصليين) بشكل متواصل وكاف وحصري، و(الأشجار) هي وسيلة جيدة جدا لإثبات ذلك”.
وقد وجد إيرنشو أن الأرض تحتوي على حوالي 2500 شجرة معدلة ثقافيا، تُظهر كيفية التئام فصوص جذوع الأشجار عند مواضع اللحاء المقطوع، تاركة أخاديد طولية تعود إلى قرون عدة.
رامي بطرس
المزيد
1