في مشهد يعج بالابتكار والرهانات التقنية الهائلة، بدأ مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، تنفيذ خطة جريئة تهدف إلى كسر قبضة شركة “أبل” الحديدية على الحياة الرقمية لمليارات المستخدمين حول العالم. حرب باردة تحولت تدريجيًا إلى مواجهة تكنولوجية ساخنة، تدور رحاها بين رؤيتين لمستقبل الأجهزة الذكية، وتحديدًا حول من سيملك مفاتيح عالم ما بعد الهواتف الذكية.
في مشهد يعج بالابتكار والرهانات التقنية الهائلة، بدأ مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، تنفيذ خطة جريئة تهدف إلى كسر قبضة شركة “أبل” الحديدية على الحياة الرقمية لمليارات المستخدمين حول العالم. حرب باردة تحولت تدريجيًا إلى مواجهة تكنولوجية ساخنة، تدور رحاها بين رؤيتين لمستقبل الأجهزة الذكية، وتحديدًا حول من سيملك مفاتيح عالم ما بعد الهواتف الذكية.
زوكربيرغ يطلق العنان لطموح الذكاء الاصطناعي الفائق
بحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإن زوكربيرغ لم يصرّح صراحة باسم “أبل” في خطابه الأخير، لكنه أطلق إشارات واضحة إلى خصمه الذي لطالما حلم بإزاحته. فخلال كلمته حول رؤية “ميتا” المستقبلية، كشف عن مسار استراتيجي يتمثل في دمج الذكاء الاصطناعي المتقدم داخل أجهزة الشركة، مؤكدًا أن هذا التطور سيمهد الطريق لعصر جديد من الحوسبة الشخصية.
وقد كتب في منشور حديث على حسابه:
“الأجهزة الشخصية مثل النظارات التي تفهم سياقاتنا لأنها ترى ما نراه وتسمع ما نسمعه وتتفاعل معنا لحظيًا.. هذه هي الحوسبة القادمة، وهذا هو المستقبل الذي نسعى لتحقيقه”.
المال يتدفق.. لاستقطاب العقول
لم تكتفِ “ميتا” بالأفكار الطموحة، بل ضخت أموالًا ضخمة في هذا السباق المحموم. وفقًا للتقرير، تعرض الشركة رواتب خيالية تصل إلى 100 مليون دولار لاستقطاب ألمع العقول في مجال الذكاء الاصطناعي، في خطوة توصف بأنها جزء من “سباق تسلح” تقني، يهدف إلى ترسيخ موقعها الريادي في هذا القطاع الثوري.
أبل.. العملاق المتأخر؟
في الجهة المقابلة، يواجه عملاق التكنولوجيا “أبل” انتقادات متزايدة بشأن تباطؤه في دخول ميدان الذكاء الاصطناعي بقوة. وبينما تتقدم شركات مثل “ميتا” و”أوبن أي آي” بخطوات متسارعة، لا تزال “أبل” متأخرة في طرح مزايا وخدمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما أثار قلق المستثمرين حيال استعدادها لمواجهة المرحلة المقبلة من التحول الرقمي.
رغم ذلك، يحاول الرئيس التنفيذي لشركة أبل، تيم كوك، التخفيف من تلك المخاوف، مؤكدًا أن الشركة تستثمر بالفعل في الذكاء الاصطناعي، وإن كان بطريقة أكثر تحفظًا. وأضاف بنبرة واثقة:
“من الصعب تخيل عالم لا وجود فيه لآيفون.”
من الواقع الافتراضي إلى الذكاء الشخصي الفائق
ليست هذه أول محاولة لزوكربيرغ لانتزاع النفوذ من بين يدي أبل. فمنذ إخفاق مشروع الهاتف الذكي الخاص بفيسبوك، وهو يسعى إلى كسر هيمنة أبل على البوابة الرقمية لمليارات المستخدمين، خاصة أولئك الذين يستخدمون منصات “ميتا” مثل فيسبوك، إنستغرام وواتساب، ولكن من خلال أجهزة تعمل بنظام iOS.
وقد جرب حظه سابقًا عبر مشاريع الواقع الافتراضي والميتافيرس، على أمل خلق عالم رقمي موازٍ، لكنه لم يحقق النجاح الجماهيري المطلوب. إلا أن اليوم، يقدم زوكربيرغ مشروعًا جديدًا سماه “الذكاء الشخصي الفائق”، ويطمح من خلاله لدمج البرمجيات المتقدمة في أجهزة ترتدي، كالخوذات والنظارات الذكية، على نحو يجمع بين التفاعل البشري والتقنية الفائقة في تجربة سلسة ومتكاملة — تمامًا كما تفعل أبل، ولكن بأسلوب جديد.
المعركة تتسع.. أمازون وأوبن أي آي يدخلان الحلبة
المواجهة لا تقتصر على “ميتا” و”أبل” فقط، فالساحة التكنولوجية تشهد احتدامًا على نطاق أوسع. أمازون بدورها دخلت السباق، بعدما استحوذت على شركة ناشئة تدعى “بي”، طورت سوارًا ذكيًا يسجل أنشطة المستخدم اليومية، ليمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على تصميم قوائم مهام وتقديم اقتراحات ذكية تعتمد على أنماط السلوك.
أما “أوبن أي آي”، فجمعت بين العبقرية التقنية والإبداع التصميمي، حيث تعاون مديرها التنفيذي مع المصمم الشهير الذي عمل سابقًا في أبل، لتطوير جهاز جديد يرتكز كليًا على الذكاء الاصطناعي.
نحو مستقبل بلا آيفون؟
رغم ثقة تيم كوك بمكانة “آيفون”، فإن تحركات المنافسين تؤشر إلى رغبة حقيقية في إعادة رسم خريطة الحوسبة الشخصية، وإزاحة الهواتف من مركز السيطرة نحو أجهزة أكثر ذكاءً، أكثر تفاعلًا، وأكثر اندماجًا في حياة المستخدم اليومية.
وقد تكون هذه المعركة التقنية الأكبر في هذا العقد، إذ لا تتعلق فقط بمن يبتكر أسرع أو ينفق أكثر، بل بمن يستطيع تغيير الطريقة التي يفكر ويتفاعل بها البشر مع التكنولوجيا.
في المحصلة، مارك زوكربيرغ لا يحارب أبل بالكلمات، بل بالأموال، والأفكار، والمواهب. فهل يتمكن أخيرًا من قلب المعادلة، وفرض “ميتا” كلاعب أول في مستقبل الذكاء الاصطناعي والأجهزة الشخصية؟ أم أن “أبل” ستعيد ترتيب أوراقها وتثبت أنها لا تزال اللاعب الأقوى؟ الأيام المقبلة ستفصح عن ملامح هذه الحرب التكنولوجية الكبرى.
المزيد
1